الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
فأجاب: نعم، لولي الأمر أن ينصب ديوانًا مستوفيًا لحساب الأموال الموقوفة عند المصلحة، كما له أن ينصب الدواوين مستوفيًا لحساب الأموال السلطانية، كالفيء وغيره، وله أن يفرض له على عمله ما يستحقه مثله، / من كل مال يعمل فيه بقدر ذلك المال، واستيفاء الحساب، وضبط مقبوض المال، ومصروفه من العمل الذي له أصل؛ لقوله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عليها} [التوبة: 60]، وفي الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على الصدقة، فلما رجع حاسبه. وهذا أصل في محاسبة العمال المتفرقين، والمستوفي الجامع نائب الإمام في محاسبتهم، ولابد عند كثرة الأموال ومحاسبتهم من ديوان جامع. ولهذا لما كثرت الأموال على عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وضع [الدواوين] ديوان الخراج، وهو ديوان المستخدمين على الارتزاق، استعمل عليه عثمان بن حُنيف. وديوان النفقات، وهو ديوان المصروف على المقاتلة والذرية الذي يشبه في هذه الأوقات ديوان الحبس والثبوتات ونحو ذلك، واستعمل عليه زيد بن ثابت. وكذلك الأموال الموقوفة على ولاة الأمر من الإمام والحاكم ونحوه إجراؤها على الشروط الصحيحة الموافقة لكتاب الله، وإقامة العمال على ما ليس عليه عامل من جهة الناظر. والعامل في عرف الشرع يدخل فيه الذي يسمي ناظرًا، ويدخل فيه غير الناظر لقبض المال ممن هو عليه صرفه ودفعه إلى من هو له؛ لقوله: ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يباشر الحكم واستيفاء الحساب بنفسه، وفيما بعد عنه يولي من يقوم بالأمر، ولما كثرت الرعية على عهد أبي بكر وعمر والخلفاء استعملوا القضاة ودونوا الدواوين في أمصارهم وغيرها، فكان عمر يستنيب زيد بن ثابت بالمدينة على القضاء والديوان، وكان بالكوفة قد استعمل عمار بن ياسر على الصلاة والحرب، مثل نائب السلطان، والخطيب، فإن السنة كانت أنه يصلى بالناس أمير حربهم، واستعمل عبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال، واستعمل عثمان بن حُنيف على ديوان الخراج. وإذا قام المستوفي بما عليه من العمل استحق ما فرض له، والجعل الذي ساغ له فرضه، وإذا عمل هذا ولم يعط جعله، فله أن يطلب على العمل الخاص، فإن ما وجب بطريق المعاملة يجب.
/ فأجاب: ليس لأهل الأرض قلع الغراس، بل لهم المطالبة بأجرة المثل أو تملك الغراس بقيمته، أو ضمان نقصه إذا قلع، وما دام باقيًا فعلى صاحبه أجرة مثله، وعلى ولي الأمر منع الظالم من ظلمه. والله أعلم .
فأجاب: ليس لناظر غير الناظر المتولي هذا الوقف أن يضع يده عليه ولا يتصرف فيه بغير إذنه، لا نظار وقف آخر ولا غيرهم، سواء كانوا قبل ذلك متولين نظره أو لم يكونوا متولين نظره، ولا لهم أن يصرفوا مال المسجد في غير جهاته التي وقف عليها ـ والحال ما ذكر ـ بل يجب أن يعطي الإمام وغيره ما يستحقونه كاملاً، ولا ينقصون من مستحقهم لأجل أن يصرفوا الفاضل إلى وقف آخر؛ فإن هذا لا نزاع في أنه لا يجوز، وإنما تنازع العلماء في جواز صرف الفاضل، ومن جوزه، فلم يجوز لغير الناظر المتولي أن يستقل بذلك، ومن أصر على صرف مال لغير مستحقه ومنع المستحق قدح في دينه وعدالته.
/ فأجاب: الحمد لله، يجب على ناظر الوقف أن يجتهد في مصرفه، فيقدم الأحق فالأحق، وإذا قدر أن المصلحة الشرعية اقتضت صرفه إلى ثلاثة مثل ألا يكفيهم أقل من ذلك، فلا يدخل غيرهم من الفقراء، وإذا كفاهم وغيرهم من الفقراء يدخل الفقراء معهم، ويساويهم مما يحصل من ريعه، وهم أحق منه عند التزاحم، ونحو ذلك. وأقارب/ الواقف الفقراء أولى من الفقراء الأجانب مع التساوي في الحاجة، ويجوز أن يصرف إليه كفايته إذا لم يوجد من هو أحق منه، وإذا قدر وجود فقير مضطر كان دفع ضرورته واجبًا، وإذا لم يندفع إلا بتنقيص كفاية أولئك من هذا الوقف من غير ضرورة تحصل لهم تعين ذلك. والله أعلم.
وهل يحل له تناول أجرة عمله منها مع كونه ذا عائلة، وعاجز عن تحصيل قوتهم من غيرها؟ وهل يحل للناظر إذا وجـد مكانًا خربًا أن يصرف/ ماله في مصلحة غيره عند تحققه بأن مصلحته ما يتصور أن تقوم بعمارته؟ وهل إذا فضل عن جهته شيء من ملكها صرفه إلى مهم غيره، وعمارة لازمة يمكن أن تحفظه لكثرة التعرض إليه أم لا؟ فأجاب: أصل هذه إنما أوجبه الله من طاعته وتقواه مشروط بالقدرة، كما قال تعالى: وإذا تعين ذلك على هذا الرجل، فليس له ترك ذلك إلا مع ضرر أوجب التزامه، أو مزاحمة ما هو أوجب من ذلك، وله بإجماع المسلمين مع الحاجة تناول أجرة عمله فيها، بل قد جوزه من جوزه مع الغني ـ أيضا، كما جوز الله ـ تعالى ـ للعاملين على الصدقات الأخذ مع الغني عنها. وإذا خرب مكان موقوف، فتعطل نفعه بيع وصرف ثمنه في نظيره، أو نقلت إلى نظيره، وكذلك إذا خرب بعض الأماكن الموقوف عليها / ـ كمسجد ونحوه ـ على وجه يتعذر عمارته، فإنه يصرف ريع الوقف عليه إلى غيره، وما فضل من ريع وقف عن مصلحته صرف في نظيره، أو مصلحة المسلمين من أهل ناحيته، ولم يحبس المال دائمًا بلا فائدة، وقد كان عمر بن الخطاب كل عام يقسم كسوة الكعبة بين الحجيج، ونظير كسوة الكعبة المسجد المستغني عنه من الحصر ونحوها، وأمر بتحويل مسجد الكوفة من مكان إلى مكان، حتى صار موضع الأول سوقًا.
فأجاب: الحمد لله، إن كان الوقف على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، أو على بعض أهل البيت، كالعلويين، والفاطميين، أو الطالبيين الذين يدخل فيهم بنو جعفر، وبنو عقيل، أو على العباسيين ونحو ذلك، فإنه لا يستحق من ذلك إلا من كان نسبه صحيحًا ثابتًا، فأما من ادعي أنه منهم ولم يثبت أنه منهم، أو علم أنه ليس منهم، فلا يستحق من هذا الوقف وإن ادعي أنه منهم، كبني عبد الله بن ميمون القداح، فإن أهل/العلم بالأنساب وغيرهم يعلمون أنه ليس لهم نسب صحيح، وقد شهد بذلك طوائف أهل العلم من أهل الفقه والحديث والكلام والأنساب، وثبت في ذلك محاضر شرعية، وهذا مذكور في كتب عظيمة من كتب المسلمين، بل ذلك مما تواتر عند أهل العلم. وكذلك من وقف على [الأشراف]، فإن هذا اللفظ في العرف لا يدخل فيه إلا من كان صحيح النسب من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأما إن وقف واقف على بني فلان، أو أقارب فلان، ونحو ذلك، ولم يكن في الوقف ما يقتضي أنه لأهل البيت النبوي، وكان الموقوف ملكًا للواقف يصح وقفه على ذرية المعين؛ لم يدخل بنو هاشم في هذا الوقف.
فأجاب: /الحمد لله، لا يجوز إلزام إمام مسجد على المشاركة ـ والحالة هذه ـ ولا التشريك بينهما، أو عزله بمجرد ما ذكر، من كون أبيه كان هو الإمام، فإن المساجد يجب أن يولي فيها الأحق شرعًا، وهو الأقرأ لكتاب الله، والأعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأسبق إلى الأعمال الصالحة، مثل أن يكون أسبق هجرة، أو أقدم سنًا، فكيف إذا كان الأحق هو المتولي؟ ! فإنه لا يجوز عزله باتفاق العلماء. والله أعلم.
فأجاب: لا تختص السكني والارتزاق بشخص واحد، وتجوز السكني من غير ارتزاق من المال، كما يجوز الارتزاق من غير سكني، ولا يجوز قطع أحد الصنفين إلا بسبب شرعي - إذا كان الساكن مشتغلاً - سواء كان يحضر الدرس أم لا.
/ /فمن أهل الوقف الأول أحد البنات توفيت ولم يكن لها ولد أخذ إخوتها نصيبها، ثم ماتت البنت الثانية ولها ابنتان أخذتا نصيبها، ثم بعد ذلك ماتت البنت الثالثة ولم يكن لها ولد أخذت أختها نصيبها، ثم بعد ذلك ماتت الأخت الرابعة فأخذوا لها الثلثين؛ فهل يصح لأولاد خالته نصيب معه أم لا؟ فأجاب: الحمد لله رب العالمين، البنت الأولى انتقل نصيبها إلى إخوتها الثلاثة، كما شرطه الواقف، لا يشارك أولاد هذه لأولاد هذه في النصيب الأصلى الذي كان لأمها، وأما النصيب العائد ـ وهو الذي كان للثالثة وانتقل إلى الرابعة ـ فهذا يشترك فيه أولاد هذه وأولاد هذه، كما يشترك فيه أمهما، هذا أظهر القولين في هذه المسألة. وقيل: إن جميع ما حصل للرابعة وهو نصيبها، ونصيب الثالثة ينتقل إلى أولادها خاصة؛ لأن الواقف قال: وإن توفي، ولم يكن له ولد ولا ولد ولد ولا أسفل من ذلك كان نصيبه مصروفًا إلى من في درجته، مضافًا إلى ما يستحقه من ريع الوقف. قالوا: فالمضاف كالمضاف إليه، فإذا كان هذا ينتقل إلى أولاده فكذلك الآخر؛ لأن قول الواقف: من مات منهم وترك ولدًا كان نصيبه من الوقف إلى ولده يتناول الأصلى والعائد. والأظهر هو القول الأول، فإن قوله: كان نصيبه، يتناول النصيب/الذي تقدم ذكره، وأما تناوله لما بعد ذلك فمشكوك فيه، فلا يدخل بالشك، بل قد يقال: هذا هو في الأصل نصيب الميت عنه، كما ذكر الواقف، والظاهر من حال الواقف لفظًا وعرفًا أنه سوي بين الطبقة في نصيب من ولد له ولد، فأخذه المساوي بكونه كان في الطبقة، وأولاده في الطبقة، كأولاد الميت الأول، فكما أن الميتين لو كانا حيين اشتركا في هذا النصيب العائد، فكذلك يشترك فيه ولدهما من بعدهما، فإن نسبتهما إلى صاحب النصيب نسبة واحدة. وهذا هو الذي يقصده الناس بمثل هذه الشروط، كما يشهد بذلك عرفهم وعادتهم، والمقصود إجراء الوقف على الشروط الذي يقصدها الواقف؛ ولهذا قال الفقهاء، إن نصوصه كنصوص الشارع ـ يعني: في الفهم والدلالة ـ فيفهم مقصود ذلك من وجوه متعددة، كما يفهم مقصود الشارع. ومن كشف أحوال الواقفين علم أنهم يقصدون هذا المعني، فإنه أشبه بالعدل، ونسبة أولاد الأولاد إلى الواقف سواء، فليس له غرض في أن يعطي ابن هذا نصيبان أو ثلاثة لتأخر موت أبيه، وأولئك لا يعطون إلا نصيبًا واحدًا، لا سيما وهذا المتأخر قد استغل الوقف، فقد يكون خلف لأولاده بعض ما استغله، والذي مات أولاً لم يستغله إلا قليلاً، فأولاده أقرب إلى الحاجة، ونسبتهما إلى الواقف سواء، فكيف يقدم من هو أقرب إلى الحاجة/ إلى من هو أبعد عنها وهما في القرب إليه وإلى الميت صاحب النصيب ـ بعد انقراض الطبقة ـ سواء؟! وهو كما لو مات صاحبه آخرًا، ولو مات آخرًا اشترك جميع الأولاد فيه، بل هذا يتناوله قول الواقف: إن توفي ولم يكن له ولد ولا ولد ولد كان نصيبه مصروفًا إلى من هو في درجته، فإن لم يكن له أخ ولا أخت ولا من يساويه في الدرجة، فيكون نصيبه مصروفًا إلى أقرب الناس، وكلهم في القرب إليه سواء. والله أعلم.
|